بقلم: لطيفة مؤمن محمود
“ما الحب إلا للحبيب الأولي”، تلك هي الجملة التي غرست في نفسي منذ إدراكي لوجود الحب، ولكن هل حقاً أن الحب يخرج من قلوبنا دفعة واحدة ولشخص بعينه، وغالباً هو أول من طرق باب قلبنا، أم هو طاقة متجددة تخرج منا وقت ما نشاء وحينما يأتي الشخص المناسب..
حسناً ما هو الحب؟ ومتي أعرف أني وقعت في الحب؟ وهل يأتي الحب كالقدر دون سابق إنذار؟ أم أن التأني في اختيار الحبيب أمر مهم لابد أن أجيد فعله؟..
الحب من أسمي الصفات الإنسانية والبشرية التي وهبها الله لتحيي الروح في قلوبنا وتذيقنا حلاوة الأيام، فالحياة دون شريك يقاسمك الوقت وينجرف معك في أدق التفاصيل لتشعر أن هناك قلب آخر ينبض لك، ليعيد إليك الحياة كلما يأس قلبك وانكسر، وكتف بجانب كتفك تريح عليه رأسك كلما إثاقلتك هموم الحياة، وعين ترى لك الأفضل وتراك كأنك المميز المصفي من العيوب، وإن كنت تحمل من العيوب ما يصعب عليك أنت شخصياً أن تحمله في نفسك، ولكانت الحياة كلها مرة وانتزع جمالها وبهتت بها كل الألوان..
ولكن هذا لا يعني أن أي شخص جدير بالحب، أو أن أضيع عمري ووقتي وربما كرامتي في رحلة البحث عن هذا الحب..
الحب صدفة وقدر أنا لا أنكر ذلك، ولكن لابد أن نترك بعض المجال لعقولنا لتخبرنا هل هذا ما نتتظره؟ أم أن عليك الانتظار أكثر فهنالك الأفضل في انتظارك..
ألاحظ الآن ظاهرة غريبة بين شباب وبنات جيلي، وهي الحب من أجل الحب فقط، أصبحت أظن أنهم يتعاملون وكأنها “مسابقة”، من سيحصل علي عدد اكبر من القلوب، سيفوز بجائزة الأكثر جاذبية، سحقاً إن كان هذا هو الحب الذي كنت أنتظره..
أصبح الحب تجارة، والقلب سلعة، تقام الأسواق لبيعه في واضح النهار، ويبدأ الحب بإعجاب ثم صداقة بعدها تعلق، يليها إهمال تتبعه الدموع وأنا هنا لا أخص بالذكر الذكور فقط..
لا والله أصبحت أري أن البنات صرن أشد قسوة وأكثر وقاحة ومجون..
كنت في سن السابعة عشرة، عندما سمعت عن أول قصة حب مرت بها إحدي صديقاتي، أتذكر وقتها كم كانت تخجل من أن يعرف أحد بالأمر، كانت تخبئه عن الجميع، حتي عن من تحب، فقد كانت تحمر وجنتيها بشدة إذا تحدثنا ساخرين من أمرها..
أما اليوم أري الحب في الجامعة يشاع به، وينقصه أن يكتب في صحيفة “آخر الأخبار” ما عدت أري حمرة في الوجوة أو رعشة في القلوب، مصدرها خجل أو خوف..
لم أعد أعلم أي من الحبيبين أصدق، تلك التي خبأت حبها خجلاً من العالم، أم هؤلاء الذين ذاع صيتهم وكثر ذكرهم في المجالس، وأصبحوا سيرة للتسلي وملء الفراغ، أصبحت العلاقات هشة تعصف بيها أي من النسمات المتطايرة،
تخللت سرعة الزمن الذي نحياه وسيطرت حتي علي مشاعرنا، فصرنا نحب سريعاً ونغادر أسرع، وضاع أمام تسرعنا الأهوج هيبة الميثاق الغليظ الذي وضعه الله ليربط بيه بين الأرواح والقلوب لا بين الأشخاص فقط.. أصبح أبغض الحلال أحل الحلال وأسهل وأسرع الحلول، لم يعد هناك وقت لإعطاء الفرص، ربما نلتقي في نقطة تفاهم، أصبح الرجال ذكور فلا يعون للمسؤولية والقوامة التي ميزهم بها الله، أي إعتبار أو قيمة، وأصبحت النساء تفوق في خشونتها بعولتهن فتميل إلي أن تنتزع تلك القوامة التي وضعت لحمايتها ضاربة بأنوثتها ورقتها عرض الحائط، ليتحول البيت الجميل الذي بدأ بشخصين محبين كعصافير الكناري إلي قن تتصارع فيه الديكة وتتعالي فيه الصرخات..
لكي تستمر العلاقات بعد تخطي بهجة أول لقاء وجمال البدايات، لابد لنا من التحلي بعدة صفات، منها: تقبل كل فرد لنوعه ومهامه التي فرضت عليه من فوق سبع سماوات، فيبقي للرجل القوامة في الأمر والنهي وله حق الطاعة وعليه حق الاحتواء، فليست القوامة في الإنفاق فقط بل في السيطرة على لحظات الغضب، وفهم مشاعرك وتقدير حساسية مشاعرك فأنتي من وصفك الرسول صلى الله عليه وسلم، بالقارورة الهشة، وتبقي الأنثي كما هي تعطي حب وحنان وتحاول التغيير من صفاتها لتلائم وضعها الجديد..
ومن الصفات أيضاً الاحترام المتبادل ليس فقط تحاشي الإهانة، ولكن الاحترام في كل شيء، احترام المشاعر الخصوصية لكل منا، والصفة الثالثة هي مرونة التقبل والتغيير، فجميعنا معبئين بالعيوب، فلا كمال علي وجه الحياة ولكن يمكن محاولة التغيير لضمان بقاء العلاقة، وعلي الطرف الآخر محاولة تقبل عيوب الشخص ما دامت غير مؤذية له نفسياً ولا جسدياً..
تذكر دوماً أن الحب وحده لا يكفي رغم ضروريته، ولكن تقام البيوت علي المودة والرحمة أكثر، فالقلوب متقلبة فلا ضمان لحب أو بقاء..